هل دخول الكليات العسكرية هو الحلم
هل دخول الكليات العسكرية هو الحلم
يرتبط دخول
الكليات العسكرية لدى كل شاب منذ نعومة أظفاره بالأحلام التي تراوده، سواء من
القصص التاريخية عن الأبطال الذين سمع أو قرأ عنهم في التاريخ، أو للصورة الذهنية المرتبطة
بالعسكريين، من مكانة اجتماعية ووضع اقتصادي وغيرهما مما تتمتع به طبقة الضباط في
كل جيوش العالم. فهل الأمر يستحق دخول إحدى الكليات العسكرية وهل أحلام الصبا تلك
واقع أم خيال؟ خلال حديثنا في هذه المقالة عن الكليات العسكرية والجيش، فإن حديثنا
يشمل ضمنيًا الشرطة أيضا.
هل الوضع الاقتصادي والاجتماعي لقوات الجيش جيد في كل دول العالم؟
المستوى الاقتصادي للجيوش في كل دول العالم متوسط أو فوق المتوسط أو
تحت المتوسط، لعدة أسباب؛ فالدولة تعجز عن توفير مستوى اقتصادي لهم أعلى
بكثير من غيرهم بسبب عددهم الكبير، كما أن كل هذا العدد من أفراد الجيش لا يساهمون
في الاقتصاد نتيجة لطبيعة عملهم أو لأنهم بشكل أو بآخر جزء من النظام الحكومي
للدولة.
لكن يستثنى من ذلك طبقة اللواءات، فهي تتمتع بمستوى معيشة مرتفع،
عمومًا، هم نسبة قليلة جدا من الضباط، ربما واحد من كل 200 ضابط، كما أنه لا يتمتع
بهذا المستوى سوى بعد مدة خدمة طويلة، ثلاثين عاما على الأقل.
في المقابل، فالدولة أيضًا لا يسعها تقليل مرتبات طبقة الضباط إلى الحد
الذي يهدد خط دفاعها الأول، سواء عنها أو عن نظامها السياسي، كما أن النظام القومي
واستقرار حدود الدول وقلة الحروب والإغارات قللت الحاجة الماسة إلى طبقة المحاربين،
لم يعد أيضًا نظام الغنائم التي يكسبها الجيش المنتصر بالتي تغير المستوى
الاقتصادي للمحارب كثيرًا، وحتى لو حدثت حرب بين دولتين، فالمكاسب كلها ستؤول إلى
الدولة، ولن ينل الجيش المنتصر سوى الفتات منها.
أما عن المستوى الاجتماعي، فقد تراجعت هذه النظرة كثيرًا، لا سيما بعدما حل النظام
الرأسمالي مكان النظام الاشتراكي الذي كان يضفي بريقًا أكثر على الوظائف الاجتماعية،
وتراجعت ثقافة أن المستوى الاجتماعي أهم من المستوى المالي (وإن لم تزل تحتفظ ببعض
البريق)، وسادت ثقافة "الجنيه غلب الكارنيه".
هل يمثل الجيش مبادئ وأهداف جديرة؟
أهم أهداف الجيوش النظامية الآن الحفاظ على الدولة
كما هي أو الحفاظ على النظام الحاكم المتخفي تحت عباءة الدولة، من أي زعزعة،
وبالتالي الحفاظ على النظام الدولي الذي نظم تلك الحدود -مع بعض الاستثناءات
البسيطة- مع إضافة حبكة إعلامية عن أن الدولة تساوي النظام السياسي، وخاصة في
الدول القمعية العسكرية، بل وأصبحت في بعض الدول تهديدًا لاستقرارها، على خلفيات
الانقلاب على قيادتها المنتخبة.
وبالتالي لم تحمل تلك الجيوش المبادئ نفسها التي
يصورها الإعلام مثل النبل والشجاعة، خاصة بعد الاختراعات الحديثة، فمن اخترع
المسدس قال: «الآن يستوي الشجاع والجبان». كما أن تلك الجيوش لا يحارب أفرادها
بناء على مبادئهم خاصة في نظام التجنيد الإجباري؛ فإن اشترك أحدهم في حرب، فليس
بالضرورة أن يكون موافقا على مبادئها، مثل ما حدث مع محمد علي كلاي في حرب فيتنام،
في أثناء فترة التجنيد الإجباري السابقة في أمريكا، ومثل مشاركة كتيبة الجيش
المصري في حرب المكسيك مع فرنسا وفقدان كثير من جنودها في حرب لا ناقة لهم فيها
ولا جمل.
كما أن تلك الجيوش تشارك في قوات حفظ السلام مثل مالي والكونغو
وأفريقيا الوسطى وتساعد في معظم الأحوال في مساعدة الشركات والقوى العالمية في سرقة
ثروات تلك الشعوب ونهبها تحت ستار الأمم المتحدة وحفظ السلام.
في جيوش الدول القومية تلك، وخاصة القمعية منها، فما يهم هو التراب (الذي رسم
حدوده المحتل الأجنبي)، حتى ولو على حساب البشر، بدافع الوطنية، وقد يفنى هؤلاء
البشر باسم الدفاع عن الدولة وفي الوقت نفسه امتهان كرامتهم في الداخل، وكما يقول
جابرييل ماركيز: لم تكن الوطنية سوى اختراعاً اخترعته الحكومة لكي يحارب الجنود
مجاناً. تلعب تلك الدول على وتر الوطنية، ففي الوطنية أنت ودمك أرخص من الوطن، لكن
في الإسلام فأنت ودمك أغلى من الكعبة.
ومن يتابع قوانين تلك الجيوش سيجد أنها تضع الكثير من القيود على
أعضائها أكثر من غيرها من المؤسسات؛ فمثلا من الصعب جدا تركها بسهولة إلا بعد مدة
محددة، وغالبا هم من يقررون ذلك وليس أنت، ويكون من الصعب الالتحاق بعمل آخر لأن
معظم الوظائف في الجيش لا يوجد نظيرها في الحياة المدنية، بالإضافة إلى الكثير من
القيود الأخرى مثل السفر والزواج من أجانب، وأشياء خاصة بالمظهر مثل الشعر والذقن،
وغيرها الكثير، لذا قبل أن يلتحق الفرد بأي مؤسسة يجب أن يعرف قوانينها والقيود
التي تفرضها عليه.
ما الحل، هل نتجنب الالتحاق بالجيش أو الشرطة؟
بالطبع لا، فهم من يحمون الشعب، أو هكذا يفترض، وإنما التحق بالجيوش
التي:
1. تكون تحت نظم تتحقق فيها قدر كبير من العدل
2. تتفق مع مبادئك ودينك
3. ألا تكون إجبارية بل تطوعية لا تستغل الجنود في السخرة
بدوافع وهمية مثل خدمة البلاد
وهنا أتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليأتين عليكم أمراء يقربون
شرار الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم، فلا يكونن عريفًا،
ولا شرطيًّا، ولا جابيًا، ولا خازنًا»، رواه أبو
يعلى، وابن حبان في صحيحه.
وأحب أن أنوه أن حديث «إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا فذلك خير
أجناد الأرض» لا تصح درجته.
ولتفادي تلك المعضلات بين الجيش والدولة، يجب على الدولة أن توفر الآتي
1. رئاسة مدني للجيش ووزارة الدفاع كما يحدث في معظم
دول العالم، ويكون مسؤولًا عن المهام اللوجستية والميزانية
2. إلغاء التجنيد الإجباري، فذلك يجعل من الخريجين
والشباب سخرة بعد التخرج لسنين بمرتبات لا تذكر، كما أنهم في تلك الفترة ينسون
دراستهم ويكونون عالة على أسرهم لضعف المقابل المادي. ومن ثم وضع نظام التجنيد
التطوعي، كما في معظم دول للعالم، وكما كان في الدولة الإسلامية في بدايتها حتى
قدوم حاكم مصر محمد علي
3. أن يكون الشعب متمتعا بقدر ما من التسليح، مثل
الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا، فهو في أصعب الظروف مميزاته أكبر من أضراره؛
إنه أمنع من أن يحدث انقلاب على الإرادة الشعبية واحتلالها، فالاحتلال الوطني كما
أخبرتنا التجارب أسوأ من الاحتلال الأجنبي. هو أيضًا أحصن للبلاد من أن يتم
احتلالها من قوى أجنبية، وأفيد للصالحين من الشعب لحماية أنفسهم من الطالحين الذين
يسعون لامتلاك السلاح بطرق غير قانونية لترويع الآمنين.
4. وضع مادة في الدستور تسمح للشعب بالدفاع الشرعي
عن نفسه وأرضه ضد الانقلاب أو الاحتلال العسكري
5. التحول إلى اللامركزية في الإدارة بين المحافظات،
وأن يدير الشعب في المحليات نفسه بصورة أكبر، وينتخب محافظيه، وأن يخدم المحافظة قوات
شرطة من أبناء المحافظة، وأن تكون مسؤولية تعيين مدير الأمن من واجبات المحافظ، لكي
تكون حريصة على استقرار الأمن، بدلا من التركيز على حفظ نظام الحكم، مع الإبقاء
على شرطة مركزية للتعاون بين المحافظات.
وفي النهاية نتذكر كلمات الشاعر أحمد مطر:
نموت كي يحيا الوطن، يحيى لمن؟!!
من بعدنا يبقى التراب والعفن.
نحن الوطن
نحن الوطن!
إن لم يكن بنا كريماً آمنًا
ولم يكن محترماً ولم يكن حُرًا
فلا عشنا ولا عاش الوطن!
*الكاتب
متنازل عن حقوق الملكية الفكرية لهذه المقالة
ويحض
على نشرها
رابط مقال ما لا سيقولونه لك عند التحاقك بالجيش المصري
تعليقات
إرسال تعليق